افتراضي قراءة في دخائل النفس للشاعر راشد الخضر

يصف لنا الشاعر راشد الخضر دخائل نفوس المحبين حيث يقول:



سالوا عن احوالي وش افلان؟
كنهم غتـارى مـا دروبـه




يقول يسألون عني كأنهم لا يعلمون بسوء حالي من صدودهم, ويجيب حلفاً بالله أنهم ليعلمون بها حقاً وليس سهواً ولكنهم يتجاهلون.

يدرون والله هوب سهيان
لكن هذا الحـب دوبـه




أي من عادة المعشوق أن يكتم أشواقه عن محبّه كي يزداد به شوقاً وحباً.


ثم يمضي شاعرنا مخاطباً ندماءه الخاصين به متوسلاً أن يسعوا بالصلح بينهما:


لي صاحبٍ في الحبْ زعلان
بلا سبـب يـاذي عجوبـه


إن كان شي معروف واحسان
إمشو بيـه والاّ امشـو بـه





يستثير الخضر نخوة أصحابه قائلاً إن كان هنالك لديكم بقيه من إحسان فسخروها في إزالة الجفاء الذي حدث بيننا, فتأخذوني إليه لأسترضيه أو يأتون به أليّ فأرضيه..

وهذا الاسلوب في عالم الحب من ألطف الأساليب وأحسنها إن أحسن المحبون استعمالها في وقتها.


ونموذج آخر من شعره:


غصنٍ تمايل والهـوى دوق
وقّفـت بتْمعـن ابميـالـه


ما وعيت وايلا القلب مشنوق
شنـق اليهـودي بحتيـالـه


قلت العفو قال: الهـوى ذوق
قلت ارحموا من تلف حالـه




يقول شاعرنا الخضر إنه رأى غصناً يتمايل, وكان الهواء في تلك الساعة ساكناً فمن ذا الذي حركه فتمايل؟ وبينما هو غارق في حيرته وتعجبه مما يرى وأذا به يؤخذ بغتةً للشنق أو غدراً كغدر اليهود المشهورين بالغدر... ولكن شاعرنا حين توسل إليهم أن يعفوا عنه أجابوه قائلين: ذق عذاب الحب ذق.


ونموذج آخر من شعره يقول فيه:


عيني جدا الاحباب تربـا
واذني اتّصَوّخ دقة البـاب


أصْبح أتقفّـر كـل دربـا
لا طارشٍ ياني ولا كتـاب


عن غلقْ بابي, الإيد عَصْبا
مفتوح بابي حق لاحبـاب



وفي هذه الابيات ينقل لنا الشاعر حيرة المحب وقلقه وترقب وصول الحبيب الذي ينتظره بفارغ الصبر. وكأنه على أحر من الجمر, فالشاعر يسّخر عينه من مراقبة الطريق الذي يصل منه إليه القادم العزيز, وأذنه لالتقاط الخطوات العزيزات عليه الكريمات لديه, فإن تعذر وصوله بعد طول انتظار بدأ ينظر إلى كل درب باحثاً عن آثار أقدامهم حيث تعذر إقدامهم على زيارته, تاركاً باب بيته مفتوحاً كيلا يعوقهم غلقه ووصده, بل مضى إلى أكثر من ذلك فوصف يده بالعضب, وتشنج العصب عن غلق بابه بغية تسهيل دخولهم إلى منزله من دون عائق..

هكذا دائماً وأبداً يا شاعرنا هو حال العاشقين.

قلق وترقب وتوتر وأنفعال وأفكار مضطربة وقلوب من الجوى ملتهبه,

وهنا يقول الخضر...

أصبح تراك الشمس وإلا امس
لأن خـدّك شمـس لمغيـب




زر صباحاً لتراك الشمس فتغار منك, أو مساء فخدك شبيه بها عند غروبها

إن فات منك اللمس بالأمس
لا يفوت منك اليوم ترحيب



فإن فاتتني منك المصافحة بالأمس الذي مضى فأرجوا ألا يفوتني منك اليوم الترحيب بي.


ثم يقول:



مدري اش حظّي من طَلَمس
حابٍ وفيك الظن ميخيـب


يتسائل الخضر قائلاً لمن يخاطبه, وهو الحبيب, لست أدري أطلٌّ حظي منك, والطل المطر الخفيف, أم سحابٌ يروي ويسقي عند انهماره؟

ويستطرد كالمتفائل إن ظني فيك لن يخيب.



ونموذج آخر من شعره:



سيد الجواري الكنّس استام
روحي وملّكته بـلا بيـع



والجواري الكنس هن النجوم.

ينبأنا الشاعر بأن الكواكب السيارة في عليائها كسيدة الضباء الكوانس, والكِنْس هو مأواهن, وقد طلبت منه شراء روحه سَوْماً, فأجابها إن روحي هدية مني إليك من دون ثمن.


لو طاعت الخـدّام لاعمـام
ماريت مثلي في الهوى امطيع




والبيت من الوضوح بحيث لا يحتاج الى شرح.

لك في الأمر جـدّام جـدّام
لو يعترض لي الموت باشيع




وكلمة باشيع معناها عندنا هنا في الامارات سأبرز لهذا الموت من أجلك وأتعرض له من دون تردد.



ثم يمضي قائلا:



لو لبْسنْيهْ في الأسد خام
بلبس وفي الجلّه مرافيع




يقول الشاعر الخضر لو أنّ الحبيب الغالي أمره أن يلبس في فصل الصيف الحار وفي برج الأسد الموصوف بشدة الحر, ثياباً غليظة وهي ثياب من الكتان وتسميتها بالخام من مصطلحات أهل الخليج, يقول لو كلفني أن البس الثياب الرفيعه ( الشفافة ) المهلهلة في عز الشتاء ببرده للبستها.. ومعنى ( الجله ) في مصطلح أهل الامارات هي جلة الشتاء أي شدة البروده.. ويمضي الخضر قائلاً:

وانْ قال لا تشرب الف عام
بظما ولو بيـن الزراريـع




وهذه الشروط التعجيزية التي يذعن الشاعر في تقبها وتنفيذها إرضاء لمن يحب هي من المبالغات المستحسنة في الشعر فقط, وإلّا فكيف يستطيع المرء أن يستغني عن الماء يوماً أو يومين, بين المزارعين الذين تتوافر المياه لديهم بكثرة, والشاعر يرى بأم عينيه ذلك الماء ثم يصبر عن شربه طاعة لمن يحب..

ولاكنها المغالاه وهي من عجائب الشعراء وغرائبهم.

والشعر ما كان ليسمو في الآفاق ذكراً وصياً لولا الخيال الواسع الرحيب الذي يتمتع به بعض الشعراء فيحلقون به في عوالم الإبداع والإمتاع.

وشاعرنا الخضر هو أحد هؤلاء الذين إن صوروا أجادوا فأطربوا, وإن نظموا أتقنوا فأعجبوا..

بارك الله فيك موضوع جميل ورائع

شكرا لمرورك

شكرآ علي الطرح

جميل جدا مشكور على الطرح اخي

شكرا على المرور

سلمت يمينك ...

جزاك الله خير .. وجعله في ميزان حسناتك ..

شكرا لك .